يقف الشيخ أحمد الخليلي عند مصطلح الهداية مع تفسيره لقول الله تعالى (اهدنا الصراط المستقيم) في سورة الفاتحة بشيء من التحليل والتروي، وسأقوم أنا هنا بإختصار هذه الوقفة في موضوع قصير، وذلك لأن الهداية موضوع مهم برأيي وينبغي سبر أغواره والغوص في أعماقه، ويتميّز جواهر التفسير هنا بالثراء والسعة في سبر تعريف الهداية وأنواعها.
يقول سماحته:
الهداية تطلق على الدِلالة، وخصهم بعضهم بالدلالة المصحوبة باللطف، وهذا لا يتعارض مع ما قد يفهم من بعض مواقف التهكم في القرآن الكريم (فاهدوهم إلى صراط الجحيم) الصافات.
وقد استظهر أصحابنا رحمهم الله أن الهداية تنقسم إلى قسمين:
1. هداية بيان: وهذه تعم المؤمن والكافر، ويحمل عليها نحو قول الله تعالى (وأما ثمود فهدينهم فاستحبوا العمى على الهدى) فصلت.
وهداية البيان يصح إسناد فعلها لغير الله سبحانه ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) الشعراء. والمراد بهدايته صلى الله عليه وسلم إلى الصراط المستقيم دعاؤه إليه أي الصراط مقرون ببيان معالمه.
2. هداية التوفيق: وهذه محصورة في المؤمنين (أولئك الذين هدى الله) الأنعام. وهذه ليست من مقدور البشر وإنما هي من مقدور القادر على كل شيء الذي يصرف القلوب كيف يشاء.
ثم يقول سماحة الشيخ أحمد الخليلي:
والهداية أوسع مدلولا وأكثر تشعبا مما ذكره أصحابنا، فمدلولها يشمل هداية الدين وغيرها، ومتعلقها الإنسان المخاطب بهداية الدين وغيره من المخلوقات، ولذلك أميل إلى ما قاله بعض أئمة التفسير في القديم والحديث في تفسير الهداية وتقسيمها إلى أقسام:
الأول: هداية الوجدان الطبيعي والإلهام الفطري، وتكون للإنسان وغيره، المولود مثلا يشعر بحاجته إلى الغذاء فيصرخ طلبا له، فمن الذي هداه لذلك، بل ومن الذي هدى الطير إلى عشه، وكل مخلوق إلى موطن أكله وشربه.
الثاني: هداية الحواس والمشاعر، وهي تتميم للهداية المذكورة في القسم السابق، يقول سبحانه (الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى). والذي أراه كرأي شخصي أنّ هذه الهداية هنا شاملة لكل مخلوق، فهي قرينة الخلق، فالهداية هنا هي الحركة والسعي الذي تمضي عليه المخلوقات كلها، حتى الكواكب والمجرات.
الثالث: هداية العقل، وهذه خاصة بالإنسان، يقول سبحانه (وهديناه النجدين) البلد. فبالعقل يميّز الإنسان بين الحق والباطل، والخير والشر.
الرابع: هداية الدين، وهذا ما ذكره الأصحاب قبل ذلك. وليس التوفيق إلا من رب العالمين.
وهداية التوفيق تنقسم إلى ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: التوفيق لقبول الحق والعمل به، يقول سبحانه ( ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء) البقرة.
المرتبة الثانية: التوفيق للإستمرار على الحق والإستزادة منه، يقول سبحانه (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) العنكبوت. ويقوله سبحانه ( والذين اهتدوا زادهم هدى وءاتهم تقواهم) محمد. وأختلف في هذه الهداية هل هي مكتسبة من المجاهدة أم هي هبة من الله لعبده لأنه هو الذي أفاضها عليه، والإختلاف بإختلاف الإعتبارات ليس غير.
المرتبة الثالثة: التوفيق لجوار الله سبحانه في جنات عدن، وإليها الإشارة بقوله عز وجل (والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم، سيهديهم ويصلح بالهم، ويدخلهم الجنة عرّفها لهم) محمد، وهذه هي أسمى مراتب الهدايات وأرقى منازل المهتدين، وجميع الهدايات السابقة سلّم للصعود إليها، ووسائل للحصول عليها.
وطلب الهداية هنا محمول على طلب المزيد منها، أو طلب التوفيق للإستمرار عليها، لأن الإنسان عرضة للخطأ والضلال، وبهذا يجاب عما لو سُئل: أليس من حمد الله وعبده واستعانه مهتديا؟ فلماذا يطلب منه الهداية؟.
والصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، وقيل هو القرآن، وقيل هو الإسلام، وقيل هو دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره، وقيل هو السنة. وهذه الأقوال متحدة في المعنى وإن اختلفت في اللفظ.
والله نسأل التوفيق والسداد