الاثنين، 3 أكتوبر 2016

نظرة في مفهوم الحق والباطل:

يقول الله سبحانه (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ۚ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ۗ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) يونس 35.

إن الناظر في سيرورة التأريخ البشري يعلم أنه مشوار علم وترقي في سلّم المعارف، فتطور الإنسان تبعا لذلك حتى انفتحت له اليوم أبوابا واسعة من الرقي والتقدم.

إلّا أن الناظر بتمعن يعلم بأن حقيقة الصراع ليست هنا في هذا النوع من التقدم، ولكنها في شيء آخر.

إنها في السلوك البشري ومنطلقاته، فهل وظف الإنسان هذا التقدم العلمي لخدمة البشرية أم لاستغلالها؟

إنها المعركة الخالدة بين الحق والباطل، وإن تجددت أدواتها وأساليبها. هل قدم الإنسان رغباته الذاتية وشهواته الآنية أم سعى من أجل صلاح البشر كافة، فسعى لرقيهم ورفع الظلم عنهم.

إنها وإن تقدمت البشرية، تظل المعركة واحدة، معركة مصالح ذاتية في مقابل قيّم الحق والخير. وهذه القيّم ثابتة ولا تتغير بتغير الزمن.

والإنسان هو الإنسان في صلاحه وتقواه، وفي فجوره وجرمه وظلمه، قد يكرّس حياته من أجل قيم الخير والصلاح، وقد يبلغ به الكيد شأنا عظيما من أجل نصرة الباطل ( وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) إبراهيم 64.

هذه هي المعركة الحقيقية للإنسان، وهذه هي المعركة التي أتى القرآن الكريم ليوضح كافة جوانبها، وتوسع في ذكر الأمثلة عليها، وذكر مآل كل فريق منها.

والقرآن الكريم يستخدم مصطلح الهداية إلى الحق أو إلى طريق وصراط الله سبحانه، فالله سبحانه هو الحق، والإنسان إما أن يسعى إلى طريق الحق أو يتنكب عنه.

وقد سمي القرآن الكريم فرقانا لإنه يفرق بين الحق والباطل. كما أن الإيمان هو الذي يسوق الإنسان إلى الحق والرشد (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا) الأنفال 29.

فيتعدى الأمر هنا مجرد الإنحياز للحق، بل إن هدف الرسالة هو الهداية للحق والخير.

وإذا كان التأريخ الإنساني هو تاريخ فكر الإنسان وقيّمة، فإنه ينبغي أن يكون المعيار الحقيقي لبحث الرقي الإنساني هو معيار الحق والباطل، لا معيار التقدم والتمدن.

والحق على كل حال ليس كلية واحدة، لذلك فقد يتقدم الإنسان في جانب ويتخلف في جوانب. لذلك فالحق لا يسود مطلقا، كما أن الباطل لا يسود مطلقا، بل هما في صراع وتدافع. وتلكم هي طبيعة الحياة التي أرادها الله اختبارا لاإنسان وإبتلاءا، ليرى هل يكرّس الإنسان نفسه لخدمة الحق وإعلائه، أم أنه يسعى من أجل رغبات وشهوات نفسه، فيعمر دنياه ويهلك دنيا الآخرين. أم أنه يفضل  قيم الحق والعدل ولو على نفسه وأهله.

ذلكم هو الصراع الحقيقي: هل يسعى الإنسان من أجل الحق أم من أجل مصالح ذاتية أنانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق