السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخواني الكرام هذا موضوع متواضع كتبته قبل فترة في موضوع الغضب
ومع أهمية الموضوع وعظم شأنه إلا أن موضوعي متواضع للغاية، فأرجو العذر مسبقا، فهو جهد المقل، وارجوا تسديد الرأي وتبصير الذهن، ولكم الأجر والثواب.
إن موضوع الغضب موضوع شائك ذو آثار شخصية واجتماعية كثيرة ومتشعبة، وقد أولاه الفكر الإباضي نظرا لذلك المكانة العالية، والمنزلة الرفيعة، حيث جعله من أركان الكفر، التي هي الرغبة والرهبة والشهوة والغضب، وذلك في مقابل أركان الإيمان: التي هي الاستسلام لأمر الله، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، وتفويض الأمور إليه سبحانه وتعالى.
والغضب هو طبيعة فطرية في الإنسان، قد جبل الله عليها بني آدم. ذكر الإمام الغزالي أن الله جعل للإنسان قدرتين: هما قدرة الطلب المتمثلة في الشهوات التي يحتاجها الإنسان ليقضي بها رغباته ونزعاته، وقدرة الدفع المتمثلة في الغضب الذي يدافع به الإنسان عن نفسه ومصالحه.
والغضب هو ثورة الأعصاب ، في حالة من الانسياق الجارف مع الموقف الانفعالي، وذلك يؤدي إلى تعطيل العقل والإرادة، فتسلم تصرفات الإنسان إلى الغريزة العمياء التي لا ترى إلا بعين واحدة، وقد شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم الغضب بالجمرة في جوف بني آدم، فقد روي عنه قوله (ألا أن الغضب جمرة توقد في جوف ابن آدم، ألا ترون إلى حمرة عينيه، وانتفاخ أوداجه، فإذا وجد أحدكم ذلك فالأرض الأرض)
والغضب درجات في قلوب الناس، فمنهم الجبان الذي لا حمية له، ومنهم المتهور الموتور الذي يسهل اشاطته وإغضابه، ومنهم الرزين الذي ينظر إلى إشارة عقله ودينه، فينزل الغضب المنزلة اللائقة به دون إفراط ولا تفريط.
وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى، ألا وإن منهم البطيء الغضب سريع الفيء، والسريع الغضب سريع الفيء، والبطيء الغضب بطيء الفيء، فتلك بتلك، ألا وإن منهم البطيء الفيء سريع الغضب، ألا وخيرهم بطيء الغضب سريع الفيء، وشرهم سريع الغضب بطيء الفيء...)
ذكر صاحب فقه اللغة أن أول مراتب الغضب هو السخط وهو خلاف الرضا، ثم الاخرنطام وهو الغضب مع التكبر ورفع الرأس، ثم البرطمة وهو غضب مع عبوس وانتفاخ، ثم الغيظ وهو غضب كامن للعاجز عن التشفي ومنه قوله تعالى ) وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ )(آل عمران 119)، وقيل أن الغيظ هو أصل الغضب، ثم الحَرَد وهو أن يغتاظ الإنسان فيتحرش بالذي أغاظه ويهم به، ثم الحنق وهو شدة الاغتياظ مع الحقد، ثم الاختلاط وهو أشد الغضب.
ذم الغضب:
وقد ورد ذم الغضب ومدح كظمه كثيرا في القرآن الكريم وفي السنة المطهرة لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك قول الله تعالى:
)الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران:134)
)مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (الفتح:29)
ومن الأحاديث:
روي أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال ( لا تغضب ) فردد مرارا قال ( لا تغضب )
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كانت فيه ثلاث أدخله الله في رحمته، وأراه محبته، وكان في كنفه: من إذا أعطي شكر، وإذا قدر غفر، وإذا غضب فتر)
وفي حديث آخر (ثلاث من أخلاق الإيمان: من إذا غضب لم يدخله غضبه في باطل، ومن إذا رضي لم يخرجه رضاه من حق، ومن إذا قدر لم يتعاط ما ليس له)
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم (وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا)
ومن الآيات التي عالجت قضية الغضب بشيء من التفصيل قوله تعالى: )فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُون، وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ، وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (الشورى: 36-43)
آثار الغضب
لا تقتصر الآثار السيئة للغضب على الشخص الغاضب نفسه، وإنما تمتد آثاره السيئة لتصيب البيئة المحيطة به، بل وعلى المجتمع كله، فكم من غضبة أدت إلى حروب طاحنة، ظلت تحصد الأرواح السنين المتطاولة.
وآثاره على الغاضب متنوعة، فبالإضافة إلى الشكل القبيح الذي يظهر به جسد الغاضب، حينما يتغير لونه وينتفخ وجهه وجسمه، وتصيبه الرعشة والاضطراب في كل أعضائه، وتظهر الكلمات البذيئة على لسانه، فينطلق بالشتم والفحش في القول، وقد يتمادى في ذلك فيسعى إلى ضرب المغضوب عليه، والتهجم عليه وربما قتله، ولا أقل من أن يعامله بالشدة والرعونة. بالإضافة إلى ذلك كله فإن الغضب يؤدي إلى أمراض قلبية كثيرة منها الحقد والحسد وإضمار السوء، والشماتة، والعزم على إفشاء السر وهتك الستر.
هذا بالإضافة إلى الأمراض العضوية التي تنتاب الشخص الغاضب، فمن المعلوم أن الغضب يصاحبه ثوران في النفس، يتضاعف معه عدد انقباض وانبساط قلب الإنسان في الدقيقة الواحدة، فيتضاعف ضخ الدم في الجسم، فتنتفخ تبعا لذلك الأودجة ويرتفع ضغط الدم، مما يؤدي إلى الخلل في عمل غدد الجسم. والغضب يؤدي إلى تصلب الشرايين، ويقلل من فاعلية جهاز المناعة عند الإنسان، ويصيب بأمراض نفسية وبدنية كثيرة، مثل السكر والذبحة الصدرية والسرطان أيضا.
ومن الجدير بالذكر أن العلماء كانوا يعتقدون أن الغضب الصريح، ليس له أضرار، وإنما الغضب المكبوت هو المسؤول عن هذه الأمراض، ولكن دراسة حديثة تقول أن كبت الغضب يؤدي إلى ارتفاع الدم والإصابة بالسرطان، وأن الغضب الصريح يؤدي إلى الإضرار بشرايين القلب واحتمال الإصابة بأزمات قلبية قاتلة.
ما هو الغضب المطلوب:
والغضب في عمومه مذموم إلا ما كان منه لله تعالى، فالغضب المذموم هو الغضب للنفس بقصد التشفي لها، أما الغضب لله فهو أمر حسن، وهو الغضب المطلوب، فالغضب الحسن، غير المذموم هو ما يكون من المؤمن إذا انتهكت حرمات الله، وارتكبت المعاصي،أما من أجل النفس فلا، فما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله، ولعل الآية التالية وردت في هذا المعنى )قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة: 14-15).
بيد أن إظهار الغضب لله يجب أن يكون مقترنا بالحكمة التي تحقق إزالة المنكر من جهة، وإصلاح حال العصاة من جهة أخرى، وهذان مبدآن عظيمان قل من يحسنهما، فعلى الداعية أن يزن المواقف بميزان العقل والحكمة، ويعطي كلا منها ما يلائمه.
يقول قطب الأئمة في شرح النيل أنه يحرم الغضب إذا كان لغير الله، أو كان لله لكن استعمل حيث يصلح اللين، وهو عالم بأن الصالح اللين. ويقول بما أن الغضب ضروري لا كسبي، فالمأخوذ عليه، المنهي عنه، هو الإنصات إليه بعد حضوره، والإذعان والإقامة على إنفاذه بالجارحة وبالقلب أو بأحدهما. وعلى ذلك يحمل حديث (لا تغضب ولك الجنة)، وقد ذكر الإمام القطب ثلاثة معاني محتملة لهذا الحديث.
فالمعنى الأول: لا تتعاط أسباب الغضب، والحال أن لك الجنة على ما أغضبت عليه إن صبرت،
والمعنى الثاني أن لا تغضب، فترك الغضب يورث الخصال والأفعال المقتضية للجنة.
والمعنى الثالث أنه رأى رجلا موفيا، إلا أنه فيه غضبا بحيث لا يمنعه من الجنة إلا ما يخاف عليه من الغضب، فقال (لا تغضب ولك الجنة).
ودليل أن الغضب غير مؤاخذ به في نفسه، وإنما المؤاخذ به هو اتباع مقتضاه، هو قوله تعالى )وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ )(لأعراف: 154)، وقوله سبحانه( وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ)(الشورى: 37).
على من يكون الغضب:
في الحديث عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن، يرضى لرضاه ويسخط لسخطه، وكان لشده حيائه صلى الله عليه وسلم كان لا يواجه أحدا بما يكره).
وقد ذكرنا أن الغضب لا بد فيه من الاعتدال، فالمسلم يشتد في وجوب الشدة، ويتوسط إذا حسن التوسط، ويزول عنه الغضب عند وجوب الحلم، فالله سبحانه وتعالى يقول )أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)(الفتح: 29) ويقول) وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ )(التوبة: 73) ويقول) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ)(الحجر: 88)
ذكر صاحب شرح النيل أنه لا يجوز الغضب على آمر بمعروف، وناه عن منكر، وفاعل حلال، أو عبادة فريضة أو سنة، أو مستحبة، أو مباح لم توجب الحكمة الغضب عليه، وربما جاز الغضب في المباح تأديبا، وجاز في المكروه.
ويجوز الغضب على ذي منكر أو معصية، أو آمر بها، أو ناه عن معروف أو مباح لا يوجب النهي، وعلى المبتدع، وعلى من غضب على ما لا يستحق الغضب، وعلى مطلوب ممتنع بحق لازم له في نفسه أو ماله أو من ولي أمره.
ويتابع الإمام القطب: والجواز لا يعني الوجوب، لجواز التوصل إلى الحق بغير غضب، وأراد بالجواز عدم الحرمة، فقد يقتضي الحال الغضب على هؤلاء، وذلك إذا كانوا لا يرتدعون إلا به فهو واجب، وإذا كانوا يرتدعون بدونه فلا يغضب عليهم إلا باعتبار الإبلاغ والتوكيد عليهم لئلا يعودون لمثله، وليرتدع غيرهم أيضا، فيكون مستحبا.
كظم الغيظ:
وكظم الغيظ هو إخماد جذوة الغضب، ولا يخفى منزلة ذلك عند الله تعالى، كما مر ذلك في آية متقدمة، وفي الحديث (ما تجرع عبد جرعة أفضل عند الله من جرعة غيظ يكظمها ابتغاء وجه الله)، والله سبحانه وتعالى يقول )وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ، وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (فصلت:34-36)
فالآية تبين، كما ذكر الشيخ عبد الرحمن الميداني في الأخلاق الإسلامية، أن كظم الغيظ والدفع بالتي هي أحسن أمور تحتاج إلى حظ عظيم من خلق الصبر، فالذي لا يتحلى بخلق الصبر لا يستطيع أن يكظم غيظه، ولا يستطيع أن يسكن غضبه، ولا يستطيع أن يدفع بالتي هي أحسن، فكظم الغيظ، والحلم هي من فروع خلق الصبر فالله سبحانه وتعالى يقول )وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (الشورى:43)
وفي النص أيضا إشارة إلى عامل من العوامل المحرضة على الغضب والانتقام، وهو نزغ الشيطان، وفي الحديث (إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من نار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ)، وقد ورد العلاج الناجع للغضب في الآية المتقدمة، وهو (فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، وقد ورد ذلك في الأحاديث التي سوف نتطرق إليها لاحقا بإذن الله تعالى.
على أن فضيلة كظم الغيظ والدفع بالتي هي أحسن، هي أقل في المنزلة من درجتي العفو والإحسان الرفيعتين، فالله سبحانه وتعالى يقول )وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران:133-134)
وأمتدح الله سبحانه وتعالى المؤمنين المتوكلين عليه بأنهم يغفرون للذي يسيء إليهم ويغضبهم، ثم وجههم سبحانه وتعالى إلى العفو، وذلك في الآيات السابقة من سورة الشورى، حين قال سبحانه )لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُون..إلى أن قال سبحانه.. فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (الشورى: 36-40)
قال قطب الأئمة: الصفح الجميل في قوله تعالى) فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)(الحجر: 85) هو الرضى بلا عتاب.
ثم أكمل رحمه الله :
وقال تعالى) وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً)(الفرقان: 63) أي حلما قاله الحسن،
وقال تعالى) الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً)(الفرقان: 63) أي علما قاله عطاء،
وقال تعالى )وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً)(الفرقان: 72) أي صفحوا قاله مجاهد.
علاج الغضب:
ويمكن إجمال العلاج لثورة الغضب في النقاط التالية:
1- أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقد قال النبي صَلى الله عليه وسلم: "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)
2- أن يتحول عن الحال التي كان عليها، فإن كان قائمًا جلس، وإن كان جالسًا اضطجع، وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة منها (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع)، ومنها (إذا غضب أحدكم فليسكت)
3- الوضوء، فإن الغضب من الشيطان، والشيطان من النار وإنما تطفأ النار بالماء.
4- أن يتذكر قدرة الله عليه، وحاجة العبد إلى عفو ربه، فلا يأمن إن أمضى عقوبته بمن قدر عليه أن يمضي الله غضبه عليه يوم القيامة.
5- أن يذكر ثواب العفو وكظم الغيظ، (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[آل عمران:134]. (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)[الشورى: 40]
6- أن يتفكر في آفات الغضب التي سبق الحديث عنها في بداية المقال.
7- أن يسأل ربه أن يرزقه الحلم، وكظم الغيظ، وسعة الصدر. وأن يدرب نفسه على تحمل الأذى، والتحلي بمكارم الأخلاق.
8- أن يطالع سيرة المصطفى صَلى الله عليه وسلم والصالحين من أمته الذين تأسوا به، فما كانوا يغضبون إلا لله وهم في غضبهم مأجورون، فقد وردت قصص عجيبة في حلمه صلى الله عليه وسلم، وهو القبلة الأولى للمقتدين.
الحلم:
الحلم هو الأناة، والتثبت في الأمور، وما يلزم عند ذلك من ضبط للنفس عن الغضب، وكظم للغيظ، وعفو عن السيئة، والحلم هو من فروع خلق الصبر، وهو قد يكون الحل الأمثل للغضب، لأن الإتصاف بخلق الحلم والرفق والرحمة يجنب الإنسان الكثير من مزالق الغضب وشروره.
ومن الصفات المضادة للحلم، هي العجلة الرعناء في تصريف الأمور، والطيش كلما ثارت في النفس ثائرة وكلما تحرك في النفس دافع من الدوافع لتحقيق مطلب من المطالب، وسرعة الغضب حينما يصطدم الإنسان بما يثير غضبه أو يخالف هواه.
والحلم-ومنه كظم الغيظ وعدم الغضب-، كما قلنا من فروع خلق الصبر، ومن فروعه أيضا الرفق، وكتم السر، والدأب والمثابرة، والأناة في الأعمال.
وليس من الحلم التباطؤ والكسل، والتواني والإهمال، وتبلد الطبع عند مثيرات الغضب، فلا بد من التوسط كما قلنا. والحلم خلق مكتسب، فكما قيل (الحلم بالتحلّم، والعلم بالتعلّم).
روي أنّ أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب منه عطاء، فأعطاه، ثم قال له: (أأحسنت إليك؟)، قال الأعرابي: (لا، ولا أجملت)، فغضب المسلمون وقاموا إليه، وقد هموا أن يؤدبوه بالعنف، فأشار إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن كفوا، ثم قام ودخل منزله، فأرسل إليه وزاده شيئا، ثم قال له: (أحسنت إليك؟)، قال: (نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك قلت ما قلت آنفا، وفي نفس أصحابي من ذلك الشيء، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي، حتى يذهب ما في صدورهم)، قال: (نعم).
فلما كان الغد جاء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الأعرابي قال ما قال فزدناه، فزعم أنه رضي، أكذلك؟)، قال: (نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خير).
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (مثلي ومثل هذا كمثل رجل له ناقة شردت عليه، فاتبعها الناس، فلم يزيدوها إلا نفورا، فناداهم صاحبها، فقال لهم: خلوا بيني وبين ناقتي، فإني أرفق بها منكم وأعلم، فتوجه لها بين يديها، فأخذ من قمام الأرض، فردها، حتى جاءت واستناخت، وشد عليها رحلها، واستوى عليها، وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار).
أحاديث نبوية تحث على الرفق:
1. روي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله رفيق يجب الرفق في الأمر كله)
2. وروي عنها أيضا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لها: (عليك بالرفق، وإياك والعنف والفحش، فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه)
3. وعن جرير بن عبدالله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يحرم الرفق يحرم الخير كله)
4. وروي عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به)
5. وروي عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بمن يحرّم على النار أو بمن تحرّم عليه النار؟ تحرّم على كل قريب هين لين سهل)
6. وروي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا)
أهم المصادر:
1. شرح النيل لقطب الأئمة
2. قناطر الخيرات للشيخ اسماعيل الجيطالي
3. الأخلاق الإسلامية للشيخ عبدالرحمن حبنكة
4. إحياء علوم الدين للشيخ أبي حامد الغزالي
5. المستخلص في تزكية الأنفس لسعيد حوى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق