أشرت سابقا إلى شيء من الأسباب التي تؤدي إلى
اضطراب الحالة العاطفية لدى الإنسان، وأتابع هنا الحديث عن شيء من الأثار والأعراض
الناتجة على الإنسان من ذلك، في محاولة لفهم هذا البعد النفسي وكيفية التعامل معه.
بداية إن دائرة العواطف أوسع من دائرة
الأفكار لدى الإنسان، ذلك أن الأفكار تعتبر جامدة من دون العاطفة، فلابد من أن
ترتبط بها العاطفة فتكون روحها التي تشكل الأحاسيس والمشاعر المرتبطة بها،
والحقيقة أن الفكرة والعاطفة متمازجان، تمازجا وجوديا، فلا توجد فكرة من دون
عاطفة، وكلما زاد الإيمان بالفكرة زادت العاطفة المرتبطة بها، وعرّف ذلك الإنسان
ورسم هويته.
كما أن العواطف تحافظ على الإنسان، على شخصه
ومتطلباته وأهدافه، هي التي تحركه لتحقيق ذلك كله، هي التي تدفعه لأن يعمل أو
تخذله فيكسل، وهي في كثير من الأحيان تملي عليه ما يفعل، ذلك أن الرغبات
والاحتياجات سواء منها الضروري أو التكميلي، هي في الحقيقة عواطف. والعواطف هي
السور الحصين المدافع أمام أي شيء يمس الإنسان. إن قرون الإستشعار لدى الإنسان
تعمل طوال الوقت لتتأكد من أنه آمن، وأن أي شيء هو بصدده يحقق له الأمن ويتماشى مع
حوائج الإنسان العشرة المعروفة، وعند أي حدث يعتبر فيه تجاوز تكون ردة فعل
المناسبة بالهجوم أو حتى الهورب ليرجع نفسه إلى منطقة الآمان الأولى.
إن تجاوز نفاط الحساسية هو الذي يستثير ردات
الفعل المختلفة لدى الإنسان، وهذه النقاط تبنيى في سنوات الطفولة الأولى، ولكنها
تتحرك مع الزمن، وهي ليست ثابتة بل قد تضيق في الحالات التي يمر فيها الإنسان
باضطرابات نفسية، أو في أي حديث يمس هويته وما يعرفه بأنه تعريف لنفسه ولأهدافه.
إن العواطف هي بجيرة واسعة تستغرق الإنسان
جميعا، وتشمله في جميع أمور حياته، فعليه أن يحافظ على استقرار تلك البحيرة، ولا
يلقي عليها الحصوات الواحدة تلو الأخرى، فيضطرب لديه مياهها أو تهيج، ذلك أن من
نعم الله على الإنسان أن الحوادث العاطفية تذهب بسرعة، فسقوط حجر واحد يذهب
اضطرابه بسرعة، ولكن تكرار سقوط الأحجار هو الذي يهيجها ولا يدعها تستقر، وقد وجد
أن أكثر من يرمي الأحجار هو الإنسان ذاته، باسترجاعه لأحداثه المؤلمة.
إن تتابع هذه الأحجار في السقوط يبقي البحيرة
مضطربة بالوحل والتراب لمدة ليست بالقصيرة حتى ولو هدأت على سطحها من الخارج، فلا
تكون صافية وإنما متكدرة مضطربة، وغالبا من تكون الأهداف الكبيرة التي يلتصق بها
الإنسان لها معنى عميق في نفسه، كما أنه يسعى جاهدا لتحقيق تلك الأهداف، وكلما
بعدت عنده المسافة بين ما يراه من واقع في نفسه وبين ما يأمله من وصول، يكبر عنده
الفراغ العاطفي المتثمل في بذل المزيد من الجهد في السعي لتحقيق ذلكم الهدف، وهذا
يولد عنده جهد عاطفي يسهل عنده استثارته، وكذا بقية الأمور في جانبها العاطفي
النفسي فإنها تسير على هذا النهج.
وهيجان مياه البحيرة يسبب أثار نفسية لدى
الشخص تتمثل في التردد وللوم، فلا ينفك الإنسان من محاسبة نفسه سلبيا، فيقع عليها
باللوم والتقريع، حتى تستلم فتقع في الحزن والخوف والألم، وقد يتحول ذلك إلى إرهاق
وعدم تنظيم، وهنا قد يدخل في دوامة تأكل حياته وتهيجه أكثر. ومن الأشياء الت تنجح
فيها العاطفة أنها تستطيع التخفي بسهولة، فتأتي لك بالأفكار، مم يساعد على تكريسها
واستفحالها، فهي ترمي بنفسها بعيدا وتحاول أن لا تظهر نفسها كطاقة عاطفية متمثلة في
البكاء أو غيره فتنفس عن نفسها بخروجها من النفس، بل في كثير من الأحيان تكرس
نفسها وتتخفى وراء الأفكار، وتدور في ذلك الفلك. وذلك كله ينعكس على ثقة الإنسان
بنفسه، وعلى قدرته في التحكم بذاته، فتكون رؤيته لنفسه وتقديراته الشخصية عن نفسه
مهزوزة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق