الجمعة، 19 يونيو 2015

مقدمة في البرمجة اللغوية العصبية


مقدمة في البرمجة اللغوية العصبية

 

كثر الكلام في الفترة الأخيرة عن البرمجة اللغوية العصبية، وعن مواضيعها الملحقة بها، فنظم لها الكثير من الدورات والندوات ، وكتب فيها الكثير من الكتب والمقالات، ولاقت رواجا كبيرا بين الناس، فكانت الكتب التي تطبع فيها من أكثر الكتب مبيعا في العالم. وأقيم لها الكثير من المواقع على الشبكة الإلكترونية، وبالعديد من اللغات، ومن ضمنها اللغة العربية. وصار لها جمهور كبير من الأتباع والمعجبين، وبعض المعارضين كذلك!.

فمن المواقع العربية فيها:
إذاعة الراشد http://radio.alrashed.net/Ar/main.asp
مكتب المهارات للدكتور نجيب الرفاعي http://muharat.com
موقع البرمجة اللغوية العصبية http://nlpnote.com/
منتديات البحوث القرآنية في البرمجة اللغوية العصبية http://www.yah27.com/vb/
موقع عبد الرحمن الفيفي www.nlpaf.com
موقع سعود المندح http://www.nlparab.com
المركز الكندي للبرمجة اللغوية العصبية إبراهيم الفقي http://www.ctcnlp.com/arabic/A_homepage.htm
موقع إتحاد الشرق الأوسط للبرمجة http://www.inlpta-middleeast.com/


وهذه بعض المواقع الأجنبية في البرمجة اللغوية العصبية:
موقع تيد جيمس www.nlp.com
جامعة البرمجة اللغوية www.nlpu.com
.
شبكة البرمجة اللغوية http://nlp.ne
تدريب على البرمجة اللغوية (نيويورك) http://www.nlptraining.com
مركز معلومات البرمجة اللغوية العصبية http://www.nlpinfo.com
البرمجة اللغوية العصبية الشاملة http://www.nlpco.com
.
التنويم الإيحائي (البرمجة اللغوية العصبية ). http://www.hypno-nlp.com/
معهد البرمجة اللغوية العصبية في كاليفورنيا http://www.nlpca.com/
الإتحاد العالمي للبرمجة اللغوية العصبية http://www.inlpta.co.uk/


والعديد العديد من المواقع الأخرى، وما زالت هذه المواقع في ازدياد مستمر.

ولكن هذا الرواج لم يرق للكل، بل كان هناك من لم يرتض منهج البرمجة اللغوية العصبية ووقف ضده، وهذه بعض الحوارات في ذلك:
1.
http://www.noo-problems.com/vb/showt...threadid=20729

2.
http://fikr1424.tripod.com/nlpfile2.htm

3.
http://www.suhbaonline.net/vb/showthread.php?t=5551

4.
http://www.altareekh.com/doc/article...&mode=&order=0


وهذا الاهتمام الكبير من قبل الناس بالبرمجة اللغوية العصبية، هو الذي دفعني في البداية إلى متابعة ما فيها، خاصة وإنها عرّفت بأنها كتابك الذي تستطيع من خلاله فهم نفسك ومشاعرك، والتحكم فيهما وتوجيهما إلى ما تصبوا إليه من سعادة ونجاح. فقررت القراءة القليلة فيها، ثم كان هذا الموضوع المتواضع.

 

 

العقل الواعي والعقل الباطن:
ليس من العجيب أن يتركز اهتمام البرمجة اللغوية العصبية على عقل الإنسان وكيفية عمل هذا العقل، فإن العقل هو مركز الدائرة في سلوك الإنسان وتصرفاته، وعليه المعول في مسيره ومصيره، لذلك فهو مناط التكليف، واختياره محل الاختبار عند الله يوم القيامة.

ويتكون عقل الإنسان من حيث البداية إلى عقلين: العقل الواعي والعقل اللاواعي. حيث أن عمل البرمجة اللغوية العصبية يدور حول هذين الركنين، فإنه من المفيد أن نتطرق بداية إلى تعريفهما، وتحديد عمل كل منهما، ورسم العلاقة بينهما.

ويمثل أصحاب هذا الفن العلاقة بين العقل الواعي والعقل اللاواعي (العقل الباطن) بالعلاقة بين معد برامج الكمبيوتر والكمبيوتر نفسه. فالعقل الواعي يمثل الجامع للمعلومات والمعد للبرامج والمصدّر للأوامر، والعقل الباطن هو بمثابة الكمبيوتر المحتوي على تلك البرامج التي من خلالها يعمل ذلك الكمبيوتر.

يتلقى العقل الواعي المعلومات عن طريق الحواس، ثم يقابلها بما استقر في الذاكرة من معلومات، فيحلل ويركب ويستنتج، ويستقرئ. فهو بذلك مركز للتفكير. ويتعلم العقل الواعي العلم عن طريق الملاحظة والتجربة والتعليم.

أما العقل الباطن فإنه مركز للعواطف والانفعالات وهو الموجه للرغبات والميولات، يتحكم بالطاقة الجسدية والنفسية، وبيده توجيهها كما ونوعا. وهو يعي ويفهم عن طريق الحدس والبديهة. وهو مخزن للذاكرة، وبيده إدارة جميع أجهزة الجسم، من عمليات الهضم أو التنفس أو متابعة الدورة الدموية أو إشفاء لبعض الجروح والأمراض. وهو يسعى للعناية بالجسم وحفظه بحسب ما استقر فيه من معلومات واعتقادات.

 

 

وإذا كان العقل الواعي بحاجة إلى الراحة والنوم، فإن العقل الباطن لا يتوقف عن العمل، بل يؤدي أهم وظائفه عندما تكون الحواس الظاهرية معطلة بشكل مؤقت (نعاس أو نوم أو هدوء). وهو يرى بدون العينين، ويمكنه أن يغادر الجسد إلى أماكن بعيدة، يجلب معها المعلومات ومشاعر الآخرين.

كم من المرات نسيت فيها اسما ولم تستطع تذكرة، ولكن فجأة وأنت مشتغل بأمر آخر تذكرت ذلك الاسم. وهل حصل أن كنت في السيارة مثلا وتشعر أنك نسيت شيئا ما ولكنك لا تعرف ما هو, ثم بعد أمد تتذكره. إن عقلك الباطن كان يعرف ما نسيته، بسبب أنه قد أخبر بذلك سابقا من قبل العقل الواعي، وهو يحاول تذكيرك به، ولكنك مشتغل عنه، وعند هدوئك -وهي الفترة التي ينشط فيها العقل الباطن- تأتيك الإجابة.

إن عقلك الباطن به قوى جبارة، تستطيع أن تفعل المعجزات، ولكنه بحاجة إلى البرمجة الصحيحة. فالشخص الذي يقول لنفسه بأنه يخاف من الجمهور مثلا، سوف يسعفه عقله الباطن بما يفكر به، فسيضبط له طريقة تنفسه، ونبرة صوته، ولون جسده بحيث تمثل خوفه من الجمهور. ولكنه إن اعتقد أنه لا يخاف من الجمهور فسوف يقوم العقل الباطن بالواجب.

والعقل الباطن لا يجادل ولا يمنطق الأشياء، بل يسلم لكل الافتراضات التي يتسلمها من العقل الواعي، وهو بذلك يكون مصدرا للخير والشر. فقد اقنع شخص تحت التنويم الإيحائي بأنه قطة، فتقمص الشخص دور القطة بدقة متناهية!. ومن هنا تظهر أهمية انتقاء الأفكار والخواطر.

وفي المقابل، إذا أعطي العقل الباطن مقدمة كبرى صحيحة، فإنه سوف يعمل وفقا لتلك المقدمة، فإن اعتقد الإنسان أنه إنسان ناجح، واثق من نفسه، فسوف يكون كذلك في طبيعة الحياة.ومن اسهل الطرق لصياغة فكرة وتشكيلها في عقلك الباطن، هو أن تتخيل هذه الفكرة وترها في نفسك كما لو كانت شيئا محسوسا.

 

وعندما يفكر الإنسان في أمر ما، فإن عقله الباطن يحضر له جميع تجاربه المتعلقة بتلك الفكرة، وينبهه إلى ما حوله مما يتعلق بتلك الفكرة. ولذلك إذا اهتممت بأمر ما فسوف ترى منه الكثير. فالذي يسير في السيارة وأهتم مثلا باللون الأحمر، فسوف يرى منه الكثير. والشخص المهموم سوف يجد له أشخاصا مهمومين كثيرين، والشخص الناجح سوف يرى الكثير من الناجحين، وهكذا.

ولا يكتفي العقل الباطن بذلك، بل ويذكره بالمواضيع المشابهة لموضوعه، فقد ذكر أن امرأة كانت تخاف من الأماكن المغلقة. ثم بعد فترة خافت من المصعد الكهربائي لأنه مغلق، ثم خافت من الصعود في الأماكن المرتفعة، وهكذا تدرجت حتى صارت تخاف من كل شيء.

ومن طبيعة العقل الباطن أنه يلغي ويعمم ويخيّل، فإذا ركز الشخص في شئ ما، فإنه ربما سيلغي ما عداه، فكم من مرة كنت منهمكا في شئ ولم تشعر بما حولك. وكم من مرة حكمت على شيء من حادثة واحدة، ثم عممت حكمك بأن ذلك الشيء حسن أو قبيح. إن العقل الباطن يظن أن ما معه هو صحيح مطلق وأنه كل الحقيقة. فهو لذلك يلجأ إلى التعميم والحذف، وهو بسبب ذلك يلجأ أيضا إلى التخيّل لإكمال الصورة التي عنده.

وإذا فكر الإنسان في شيء لأكثر من مرة فإنه يستقر في عقله الباطن، حتى يصبح من معتقداته، وإذا كرر الإنسان أمرا ما فإنه يصبح له عادة، وإذا صدّق بشيء ما حتى صار يتوقع حدوثه فإن عقله الباطن يدفعه دفعا حتى يراه يتحقق أمامه بقدرة من الله تعالى. ولذلك قالوا: لاحظ أفكارك فإنها تتحول إلى كلمات، ولاحظ كلماتك فإنها تتحول إلى أفعال، ولاحظ أفعالك فإنها تحدد شخصيتك، ولاحظ شخصيتك وسلوكك فإنهما يحددان مصيرك.

 

 

والإنسان العادي يتم برمجة عقله عن طريق الأسرة، والأصدقاء، والمدرسة، والقدوة الحسنة، والتجارب التي تمر عليه. وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصارنه أو يمجسانه). غير أن هناك ثلاث طرق لبرمجة العقل الباطن بصفة منظمة، هي التكرار والإيحاء، وتقنيات البرمجة اللغوية العصبية.

فمن طبيعة العقل الباطن أنه يتقبل رسائل العقل الواعي، ولكنه فقط يحتفظ بالرسائل الإيجابية. فلو قلت لنفسك لا تفكر في فرس أبيض، فهل من الممكن أن لا تفكر فيه!. فلذلك لا تقصر تفكيرك على الشيء السلبي ولو كان بالرفض، كمن يقول لنفسه لن أكون خجولا أبدا، وراح يكرر ذلك. إنه بذلك جعل عقله الباطن مركزا على الخجل، وسيكون مضطربا في مواقفه اللاحقة خوف أن يكون خجولا!!.
ولا بد أن تكون هذه الرسائل تدل على الوقت الحاضر، فتقول مثلا أنا واثق من نفسي، ولا تقول سأكون واثقا من نفسي. ولا بد أن تكون مصحوبة بإحساس قوي حاضر، ويتم تكرارها عدة مرات حتى تثبت في العقل الباطن. وعليك بتكرار الذكر والدعاء لله تعالى.

أما عن الإيحاء فالمثال القادم يظهر مدى تأثيره. أقترب أحدهم إلى أحد ركاب السفينة الذي يبدو عليه الخوف والهلع، فقال له: إنك تبدو مريضا، إن وجهك يبدو عليه الشحوب، إنني أشعر أنك ستصاب بمرض دوار البحر، دعني أساعدك في الوصول إلى كبينتك. فتحول وجه الراكب إلى الأصفر, وقد أصابه إيحائه بمرض دوار البحر، لأنه ارتبط بمخاوف وهواجس عنده. ثم ذهب صاحبنا إلى بحّار يعمل على ظهر السفينة وأخبره بما أخبر به الأول، فما كان منه إلا أن سخر من دعابته!.

أما البرمجة اللغوية العصبية فهي ما سوف نتطرق إليه في هذا الموضوع. وسيكون كلامنا في البداية عن كيفية الإدراك، ثم عن كيفية تمثيل ذلك في عقل الإنسان (النظام التمثيلي)، وما يصاحب ذلك من حالة نفسية وسلوك عملي. ثم سنتكلم عن المعتقدات والقيم، وتأثيرها البالغ في السلوك. وبعد ذلك سنتكلم عن حياة الإنسان الشخصية والاجتماعية.

 

الإدراك:
لكل إنسان طريقته الخاصة في إدراك العالم من حوله، ورغم أن العالم واحد إلا أن إدراك الناس له يختلف، وقد يكون اختلافا كليا في بعض الأوقات. فلكل إنسان خارطة ذهنية خاصة عن العالم، هي كل ما يملك عنه. ولذلك فإن من أهم الفرضيات العامة في الهندسة اللغوية العصبية أن الخارطة ليست هي الواقع.

وهذا أمر في غاية الأهمية، فقد يكون للإنسان تصور عن شيء ما ثم يتفاجأ بأن تصوره كان خاطئا. وقد يتصور الإنسان المهزوم أن الحصاة الصغيرة جبلا راسيا، ولكن العظماء لا ينظرون إلى كبائر الأمور فضلا عن صغارها. ولله در المتنبي حين قال:
وتعظم في عين الصغير صغارها ### وتصغر في عين العظيم العظائم

وهناك ثلاثة عوامل تحد من إدراكنا للعالم وتقيده، هي الحواس واللغة والمعتقدات. فالحواس محدودة وخادعة. فالعين مثلا لا تحيط بكل شيء إدراكا، ويمكن خداعها بسهولة، كما يحدث ذلك مثلا عند رؤية شاشة التلفزيون، فصور التلفاز ليست متحركة ولكنها تبدوا لنا كذلك!. وكذا بقية الحواس.

واللغة التي نستخدمها وننقل بها الإدراك بيننا، هي في كثير من الأحيان غير دقيقة بل يشوبها كثير من التعميم والحذف وربما التشويه أيضا. أما المعتقدات والقيم فهي أيضا تحد من إدراكنا للعالم الخارجي، فعندما يؤمن الإنسان مثلا بأنه لا يصلح لئن يكون رياضيا محترفا، فهل من الممكن أن يحترف في الرياضة، إن ذلك غير ممكن لأنه جعل له حدودا وقيودا بسبب إيمانه ذلك.

 

ولكي يكون الإدراك، لا بد من الإدراك الحسي (الرؤية أو السماع مثلا)، والانتباه- فقد ترى شيئا ولكنك لا تعيره اهتماما لأنك غير متنبه له- اللذان يولدان التفكير ويفتحان ملفات الذاكرة لكل ما يتعلق بذلك المدرك، ثم يكون التعبير واللغة.

ويمثل الإحساس المتولد من كل حاسة من الحواس الخمس نمطا خاصا للإدراك، فهناك النمط الصوري الناتج عن الرؤية، والنمط السمعي الناتج عن السماع، كما أن هناك أيضا النمط الحسي سواء الناتج عن حاسة اللمس أو الناتج عن المشاعر والأحاسيس.

وهناك إدراك يشترك فيه نمطان أو أكثر. كأن نرى طائرا (نمط صوري) يغرد (نمط سمعي). كما يمكن تحويل الإدراك من نمط إلى آخر، فعندما نسمع صوت الطائرة (نمط سمعي)، نتصور شكلها (نمط صوري).

ويمكن لهذا الإدراك أن يكون كذلك داخليا من الخيال، فبدل من أن يرى الإنسان طائرا حقيقيا مغردا، يمكن له أن يرى ويسمع ذلك في خياله، وهذا هو الإدراك الداخلي. وعلى هذا فإن حوار أحدنا مع نفسه يسمى (نمط سمعي داخلي).
وترتبط الأنماط الداخلية بمناطق معينة من الدماغ، وعندما يدخل الإنسان في واحدة من هذه الأنماط تتحرك عيناه باتجاه معين. فعلى سبيل المثال النمط الحسي يكون في الأسفل، فإذا سألت زميلك عن إحساسه إذا لبس جوارب مبللة، فإنه من المتوقع أن ينظر إلى الأسفل في جهة اليمين. وإذا واجهت شخصا مكتئبا فاطلب منه أن ينظر إلى الأعلى فسوف يذهب عنه الاكتئاب.

 

وبالرغم من اشتراك الحواس الخمس كلها في عملية الإدراك في حياتنا، إلا أن الغالبية العظمى لمداركنا ولذكرياتنا، تأتي عن طريق ثلاث حواس رئيسية، هي البصر والسمع والإحساس. وكل شخص يغلب عليه نمط من هذه الأنماط، فالبعض صوري، وبعضهم سمعي والبعض الآخر يكون حسيا.

ويتميز البصريون بأنهم يتكلمون بسرعة، وبصوت عالي، ويكثرون من الكلمات التي تدل على الرؤية في كلامهم. أما السمعيون فيستخدمون الكلمات السمعية، ويهتمون بنغمات الصوت ونبرته، وهم أقل سرعة من البصريون. أما الحسيون فهم أكثر بطئا ويهتمون بالعواطف والأحاسيس، ويكثرون منها في أحاديثهم.

والآن إليكم هذا المثال من قصيدة الشابي لنعرف نمطه من خلال قصيدته:

ومن يتهيب صعود الجبال ### يعش أبد الدهر بين الحفر
فعجت بقلبي دماء الشباب ### وضجت بصدري رياح أخر
وأطرقت أصغي لقصف الرعود ### وعزف الرياح ووقع المطر

إن النمط السمعي ظاهر في هذه الأبيات، فانظروا إلى الكلمات التالية (فعجت، ضجت، أطرقت، أصغي، الرعود، عزف، وقع)

ومعرفة هذه الأنماط هو أمر في غاية الأهمية في فهم الذات، وفهم الآخرين، وهي تعين على قوة الإدراك، وتنفع في تعلم المهارات، ولها الكثير من الاستخدامات في البرمجة اللغوية العصبية.

 

الأنماط الفكرية:
وكون الشخص منتميا إلى نمط معين لا يعني أنه لا يدخل الأنماط الأخرى. ذلك لأن كل سلوك هو عبارة عن سلسلة من الأنماط المتعاقبة بكيفية خاصة، تسمى استراتيجية. فلكل سلوك استراتيجية تنظمه. ولكل منا استراتيجيته الخاصة في كيفية عمله، وفي استجابته للمؤثرات وفي سلوكه عموما.

فعندما يقوم النجار بصنع منضدة من الخشب فإنه يسلك طريقا ويتبع خطواتا محددة. وإذا قمت بنفس خطواته فسوف تتمكن من صنع تلك المنضدة، ولكنها لن تكون بنفس الدقة والمهارة. وإذا سئلنا لماذا؟ فإن الجواب يكمن في أن استراتيجيتك تختلف عن استراتيجية النجار.

فعندما يمسك النجار المنشار في يده يتحسسه بطريقة معينة (حسي داخلي)، ثم يتصور كيف يتحرك المنشار ويقطع الخشب (صوري داخلي) مسلطا ضغطا مناسبا (حسي داخلي).... وهكذا حتى تكمل استراتيجية النجار في صنع المنضدة.
وهنا إذا تعلمت أنت هذه الاستراتيجية وتمكنت من نقلها إلى عقلك الباطن، فسوف تقوم بما يقوم به النجار تماما، وهكذا تكون تعلمت منه مهارته التي قضى عليها سنوات بسرعة وسهولة.

وفكرة المحاكاة هذه، هي أمر أصيل في البرمجة اللغوية العصبية، حيث قامت عليها وما زالت تعتمد عليها في كثير من مجالاتها. وأول من قام بها هم المؤسسون الأوائل لهذا الفن. حيث قام "جون جريندر" و "ريتشارد باندلر" -اللذان أسسا هذا الفن-في كالفورنيا خلال سبعينات القرن الماضي، ببحث للتعرف على الفاعلية الحقيقة لإنجاز الأهداف، وقد ركزا اهتمامهما على بعض الأفراد المتميزين في ميادين مختلفة. وكان تركيزهم على كيف يفكر هؤلاء المتميزون، وكيف يشعرون، وماذا يفعلون. دون الإغفال عن عناصر أخرى مثل الأهداف، والمعتقدات، والقيم والجوانب الروحية عند هؤلاء المتميزين.

 

ومن الافتراضات الهامة في البرمجة اللغوية العصبية أن الناس كلهم متساوون، فإذا استطاع شخص أن يقوم بشيء ما، فإن الكل يستطيع أن يقوم بنفس العمل، إذا عرف الاستراتيجية التي يتّبعها في عمله ذلك. وقد طوروا طرقا لاستنباط هذه الاستراتيجيات من أصحابها. ولذلك فكثير من كتب هذا الفن هي من هذا القبيل، كمثل كيف تكون مديرا ناجحا، أو تاجرا حاذقا.

ويمكن لهذه الأنماط أن تستخدم أيضا في تصويب الحالات النفسية.

ومثال ذلك أن يكون هناك طالب جيد ولكن لديه مشكلة في دراسة الجغرافيا. وبعد استنباط استراتيجيته في مذاكرة الجغرافيا، وجدت كالتالي:
يتذكر أن لديه امتحان جغرافيا (صوري داخلي)، فيقول في نفسه أنه سيذاكرها (سمعي داخلي)، فيتناول كتاب الجغرافيا وعندما يرى الكتاب (صوري خارجي)، يتذكر كيف أن الطلاب ضحكوا عليه مرة عندما أخطأ في سؤال بسيط (صوري داخلي)، وأن المدرس كان يقول له يجب أن تتقن الدرس (سمعي داخلي)، فيتولد عنده إحساس بالمرارة (حسي داخلي).

فقيل للطالب ما أفضل مادة تحبها، فقال الرياضيات، فقيل له استحضر في ذهنك تلك اللحظات التي كنت فيها منشرحا وأنت تجيب على أسئلة الرياضيات بجدارة (صوري داخلي). استمر في تصور حالتك وأنت تؤدي امتحان الرياضيات بجدارة، يمكنك الآن أن تؤدي امتحان الجغرافيا بالطريقة ذاتها التي تؤدي بها امتحان الرياضيات. انظر إلى كتاب الجغرافيا أمامك (صوري خارجي)، ماذا تشعر الآن، قال بالارتياح والثقة (حسي داخلي).

وهكذا أمكن تغيير استراتيجيته، فأصبحت استراتيجيته الآن كالآتي:
يتذكر اختبار الجغرافيا (نمط صوري داخلي)، فيقول في نفسه أنه سيذاكرها (سمعي داخلي)، يتذكر امتحان الرياضيات (صوري داخلي)، ويرى كتاب الجغرافيا (صوري خارجي)، فيشعر بالراحة والثقة (حسي داخلي).

 

المشاعر:
هناك ارتباط كبير بين السلوك والحالة النفسية، فكل منهما يؤثر على الآخر. فتصرف الإنسان في حالة نشوته وسعادته، يختلف تماما عن تصرفه وهو في حالة الغضب أو الاكتئاب.
والعواطف والأحاسيس دائما ما تكون في تقلب مستمر، لكنّ من أراد السيطرة على سلوكه، فعليه أن يسيطر على حالته النفسية.

ويحاول البعض التخلص من عواطفه السلبية بأشياء كثيرة، مثل شرب الخمر، والقمار، ومشاهدة التلفاز، وغيرها مما يضيّع له وقته وينسيه مشاعره في تلك اللحظة، وما أن ينتهي حتى ترجع له تلك المشاعر والأحاسيس، فتكون صدمته بها أكبر، ووقعها عليه أضر، بل إن ذلك يساهم في سلب مقدرته على الشعور.

وترتبط الحالة النفسية عند الإنسان عادة بسلوك معين، فعندما يشعر بالفرح مثلا فإنه يتصرف بتصرفات هي نفسها التي يتصرفها في كل مواقفه التي يشعر فيها بالفرح. وقد يتفاوت هذا السلوك تبعا للخبرة الشخصية، فعندما تمر على أناس تعزهم، فإن أحدهم قد يصافحك، أما الثاني فقد يضمك ويحاظنك، وهكذا.
فكل حالة نفسية تمر على الإنسان يقوم العقل عندها باستكشاف الخيارات التي أمامه ليختار من بينها ما يناسبه. فالبعض عندما يغضب يكون عنده نموذج رئيسي للاستجابة فيتبعه، والآخر يختار بين الخيارات التي تولدت عنده من خلال معايشته للناس، أو الكتب أو التلفاز. وعلى ذلك إذا لم تحدد عن وعي استجابتك للمواقف فربما تستجيب استجابة لا تليق بك.

 

والحالة النفسية (المشاعر) تتكون من جزأين: التمثيل الداخلي والفسيلوجيا، أو ما يسمى بوظائف الأعضاء.

والتمثيل الداخلي هو الأنماط الفكرية التي تكلمنا عنها. فأي تجربة حسنة أو سيئة يمكن أن تغيّر بتغيير شيء من أنماطها الفكرية، وبذلك يتم تغير المشاعر المرتبطة بها أيضا. كما ظهر ذلك سابقا.
فإذا تأخر صاحبك عنك مثلا، فمن الممكن أن تمثل تأخره ذلك في نفسك بأنه لا يحب ملاقاتك!، وإذا فكرت في ذلك فسوف عن قريب تجد في نفسك حالة من الغضب والثورة، وسوف تواجهه بذلك عند قدومه، وسوف ولا شك تسوء العلاقة بينكما. أما إن تخيلت أنه يعزك ويجلك، وإنه ربما تأخر من أجلك، فسوف تقابله بتلك الصورة التي في مخيلتك، والتي ستكون ترجمتها المحبة والمعاملة الحسنةفلذلك راقب أفكارك فإنها ستكون أفعالا.

أما الفسيولوجيا فهي وضع أعضاء الجسم عند تلك الحالة النفسية، فمن المعلوم أن التنفس وحركة العينين وجميع تعابير الوجه والرأس، بل وجميع أعضاء الجسم تتغير من حالة نفسية إلى أخرى. وقد وجد أن التغيير من وضعها يمكن أن يغير من الحالة النفسية. فلو رفعت رأس الحزين مثلا، ونظمت تنفسه، وغيرت من تعابير وجه، فإنه من الممكن أن تغير حالته النفسية من الحزن إلى السعادة.

وتقول البرمجة اللغوية العصبية، أنّ الإنسان إذا تمكن من القيام بأمر رائع ممتاز في مرة سابقة، فإنه ولا شك يستطيع أن يكرر ذلك في مرات قادمة، إذا حافظ على نفس الحالة النفسية (التمثيل الداخلي والفسيلوجيا) التي كان عليها. وأن على الإنسان أن يمثل العالم من حوله بصورة تعطيه القوة والنجاح والثقة بالنفس، فإن ذلك أفضل له من أن يمثله بصورة سوداء قاتمة، تبعث على التشاؤم والخمول.

وأن على الإنسان إذا أراد أن يتواصل مع الآخرين أن يتواصل معهم بكل حالته النفسية، فلا بد من أن تتناغم كلماته مع مشاعره، ومع تمثيله الداخلي، وفسيلوجيته. وأن لغة المشاعر والفسيلوجيا هي أصدق من الكلمات في التعبير.

 

بعض من تقنيات البرمجة اللغوية العصبية:

1.
الرابط:
إن المشاعر المثارة عند الإنسان يمكن لها أن ترتبط معه بموقف معين أو بحادثة معينه. فلو عاش الإنسان مثلا في حالة ذهنية متقدة بالمشاعر الجياشة، كأن تكون الثقة أو السعادة أو الألم مثلا، فإنه يمكن له أن يتذكر هذه الحالة لاحقا إذا ما مر عليه شيء مما حدث فيها. فبعضهم يتذكر حادثة كاملة بكل تفاصيلها، بمجرد أنه سمع صوت معين. وكلما سمع ذلك الصوت تذكر تلك الحادثة!، فذلك الصوت عنده بمثابة الرابط الذي يذكّره بتلك المشاعر الماضية.

والبرمجة اللغوية العصبية تستخدم فكرة هذا الرابط كثيرا، وتهتم بتعليم كيفية توليده وفكه.

فبإمكان الإنسان أن يجعل له رابطا يستدعي فيه مثلا مشاعر الثقة والاطمئنان كلما أراد، وذلك بأن يعيش في جو غامر بالثقة والاطمئنان، ثم يقوم بعمل رابط له، وليكن على سبيل التمثيل إمساك إصبع السبابة على الإبهام (نمط حسي خارجي). ونجاح ذلك الرابط معناه أنه كلما أعاد ذلك النمط (وضع السبابة على الإبهام)، تعود معه تلك المشاعر المرتبطة به.

 

. الاتصال والانفصال:
ومن الأشياء المهمة أيضا في البرمجة اللغوية العصبية في هذا المجال هو ما يسمى بالاتصال والانفصال. ولتوضيح ذلك نضرب المثال التالي: تخيل نفسك وأنت تركب حصانا أبيضا يهتز بك ذات اليمين وذات الشمال، وتسمع وقع حوافره وهو يسير. والآن تصور نفسك وأنت تجلس على كرسي تراقب فيه نفسك وأنت راكب ذلك الحصان.

إنك كنت في الحادثة الأولى في اتصال مع الحدث، ثم كنت في انفصال عنه في الثانية. في الحالة الأولى تتخيل نفسك وأنت تعيش الحدث، وتنفعل به، فترى وتسمع وتحس بما يحيط بك، وتكون استجابتك مباشرة للحدث. أم في الحالة الثانية فأنت تراقب الحدث ولا تعيشه، بالرغم من كون الشخص الذي تراه هو أنت.

ولكل من الحالتين استخدام خاص، فلو أردت أن تتصور نفسك وأنت ناجح، فإنه من الأفضل لك أن تكون على اتصال بالصورة التي ترسمها لنفسك, لتكون استجابتك لذلك مباشره. غير أنه لو أصابك الصداع، فإنه من الأفضل أن تكون على انفصال عن الحدث، فإن ذلك سيخفف من معاناتك من الألم، وستكون استجابتك غير مباشرة. ومن المفيد للإنسان أن يكون على انفصال (الحكم من خارج الصندوق) عما يعمل في بعض الأوقات لأن ذلك يعطيه صورة أبعد لما يقوم به، ولربما رأى ما لم يكن يراه من قبل.

3.
إعادة التأطير:
ويمكن كذلك القضاء أو التخفيف من المشاعر السلبية بإعادة التأطير، أو ما يسمى بالتحوير. فإذا أصبت بوعكة صحية، فإن لك أن تتذمر وتتأوه، ولكن ماذا لو نظرت إليها على أنها فرصة للمحاسبة والاسترخاء والهدوء، لاشك بأن إحساسك لن يكون سواء في الحالتين. ولذلك نجد في السنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه سمى الحمى طهورا. ومنه كذلك قول السموأل:
تعيرنا أنا قليل عديدنا ### فقلت لها إن الكرام قليل
حيث قلب المعنى السلبي للقلة وهو الضعف، إلى معنى إيجابي، وهو أن الكرام معرفون بقلتهم بين الناس.

كما أن من أهم الفرضيات في البرمجة اللغوية العصبية أنه ليس هناك فشلا أبدا، وإنما ما يسميه الناس فشلا هو في الحقيقة طريق للنجاح والتعلم واكتساب الخبرة، فهو مجرد محطة عبور يستفيد منها الإنسان في طريقه إلى ما يصبوا إليه.

 

المعتقدات والقيم:
إن للإيمان والاعتقاد أثر كبير في حياتنا، حيث يمثل أفكارنا التي تستقر في عقولنا وتؤثر على سلوكنا بوعي أو بدون وعي منا.

يقول أنتوني روبنز، وهو أحد أقطاب البرمجة اللغوية العصبية، (الإيمان هو عبارة عن أي مبدأ أو اعتقاد أو عاطفة مرشدة يمكن أن تمد المرء بمعنى للحياة وترشده فيها.... إن المعتقدات هي المرشحات المعدة مسبقا والمنظمة لرؤيتنا للعالم، فهي بمثابة المؤشرات التي تخبر المخ كيف يمثل ما يحدث.... إن الإيمان هو الخريطة الموصلة للهدف، وهو الذي يمنح القوة والثقة للوصول إلى الهدف.... إن الاعتقاد هو الأساس الذي تقوم عليه كل أفعالنا، وهو خطوة في طريق النجاح، فلكي ننجح لا بد من أن نؤمن من أننا نستطيع النجاح).

فعندما يؤمن الإنسان بشيء ما، فإن ذلك يستقر في عقله الباطن، فيرى الأشياء بمنظور ذلك الإيمان، وبقدر إيمانه ذاك يكون توجهه إلى العمل وإخلاصه فيه.

ولهذا الإيمان مستويات في العقل الباطن، أعمقها رسوخا هو الإيمان الروحي الذي توجد به المعتقدات الروحية، وفيه يستقر الإيمان بالله، والإيمان بالغيب.
ثم مستوى الانتماء والهوية: وهو الذي يحدد كنه الإنسان وماهيته،أو ما هي مهمته.
ثم مستوى الاعتقاد بالأشياء: وهو ما يؤمن به الإنسان من معتقدات دنيوية (ليست روحية)، وكذلك قيّمه. والاعتقاد في الأشياء يكون على نوعين، عن ماهية هذه الأشياء، وعن الأسباب والدوافع وراءها.

ثم مستوى الاعتقاد بالقدرات والمهارات: وهو الإيمان بما يستطيع الإنسان فعله وما لا يستطيع، (كيف أفعل الأشياء)
ثم مستوى السلوك (ماذا أفعل): وهو استجابات الإنسان في أفعاله وردود أفعاله
ثم مستوى البيئة (أين ومتى): وهو أين ومتى تحدث الأشياء.

 

وهذه المعتقدات تضع حدودا لإدراكنا للعالم، وبالتالي فهي تؤثر على سلوكنا، فسلوكنا دائما ما ينسجم مع ما نؤمن به ونعتقده. ولذلك إذا تغير الإيمان سيتغير تبعا له السلوك. بمعنى أنه إذا اعتقد الإنسان بأنه لا يستطيع أن يقوم بعمل ما، فإنه لن يستطيع أن يقوم به، ولو حاول، بل إنه مع الوقت سوف يتأكد تماما أنه لا يستطيع القيام بذلك العمل، لأن إيمانه بعدم استطاعته جعل عقله الباطن يدعمه في ذلك. وكذا العكس بالعكس، فإذا آمن أنه يستطيع القيام بذلك العمل، فسوف يكون إيمانه ذلك من أقوى العوامل لنجاحه فيما يصبو إليه.

وإذا تغير اعتقاد في مستوى من المستويات السابقة، فإنه يؤثر فيما تحته ولا يؤثر فيما فوقه. فلذلك التغيير في المستويات العليا يقود إلى تغيرات أعمق في الحياة. وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم حين غير المستوى العقائدي الأول (المستوى الروحي) عند أصحابه، فكان تغيرا شاملا في حياة، وانقلابا تاما على كل ما كان يحجب الرؤية عن الحق والخير.

وإذا كنا قد تعرضنا في السابق عن كيفية تعلم المهارات، إلا أن هذه الاعتقادات قد تقف عائقا أمام ذلك. فليس من الممكن أن يتعلم الإنسان مثلا مهارة الخطابة أمام الجمهور، وهو يعتقد أنه ليس الشخص المناسب لئن يكون خطيبا (مستوى الانتماء والهوية)، فعليه أن يغير اعتقاده هذا قبل أن يتعلم تلك المهارة.

ومعرفة المستوى العقائدي للمشكلة التي يواجهها الشخص مهم جدا، فليس من المجدي أن تعالج له مستوى أدنى من تفكيره، وهو معتقد بخلاف ذلك في المستويات العقائدية العليا.

وهكذا يظهر أن المعتقدات تمثل الأساس لسلوك أي فرد، ولعل معظم أجزاء البرمجة اللغوية العصبية تتعلق بتغير مباشر أو غير مباشر لهذه المعتقدات والقيم.

 

والقيم هي صنف من المعتقدات، فهي المبادئ التي نعتبرها مهمة لنا ولغيرنا، ونطالب بتحقيقها، كمثل الصدق والأمانة والعفة، وغيرها مما يبنيه الإنسان من خبراته وتجاربه.
ولو كانت هذه القيم واحدة لجميع الأشخاص، إذن لهان الأمر، ولكنها تختلف من شخص لآخر.

ومن المفيد للإنسان أن يعرف قيّمه التي يعتقد بها، لأنها تسيّر سلوكه بوعيه وبدون وعيه، ثم بإمكانه ترتيبها بحسب أهميتها، جامعا كل القيم وفروعها، لأن ذلك أدعى للانسجام مع النفس، فإذا تصادم معه قيمتان فإنه سوف يعرف ما الذي ينبغي له أن يقدم وما الذي ينبغي له أن يؤخر.

ومواقع القيم في سلسلة القيم هذه غير ثابتة عند الإنسان، بل هي في تغير مستمر صعودا ونزولا. ويؤدي تغييرها إلى تغير حدود الإدراك للعالم، وتغيير السلوك.

 

 

البرامج العليا:
وهي برامج داخلية يستخدمها الإنسان في تحديد ما يتجه إليه، فهي بمثابة المرشحات العليا في العقل الباطن التي يتم من خلالها ترشيح بعض المعلومات وحذف وتحريف بعضها الأخر. وهي توفر الأساس الذي يحدد به الإنسان كيفية تكوينه لتمثيله الداخلي، وهي بذلك توجه السلوك، ويقرر بها الإنسان ما يمتعه وما يضجره.

وهي برامج كثيرة، سوف نتطرق إلى خمس منها فقط:
1.
المندفع والمحجم: الناس بين مندفع إلى الأمور متوجه إليها، وبين محجم مبتعد عنها. فالمندفع مثلا يحب أن يشترى سيارة سريعة قوية، وبينما المحجم يفضل السيارة التي لا تصرف الكثير من الوقود، ولا تحتاج إلى صيانة كثيرة. ولذلك فإن التاجر الذي يعرف كيف يروج لسلعته سوف يحسن التصرف مع كليهما. والإنسان المندفع لا يحب أن يحصر في شيء أبدا، فلو أردت أن تنصحه إلى أن يذاكر مثلا،فقل له: إنك إن أتيت بمجموع عالي فسوف تختار الكلية التي تريد.

2.
المرجعية الداخلية أو الخارجية: بعض الناس يحكم على الأشياء بناء على نظرة الآخرين وحكمهم له، وبعضهم يحكم بناء على نظرته بنفسه، فيستحسن الشيء ويستقبحه ولو خالف من حوله. وصاحب المرجعية الخارجية يقدر عمله ويعجب به إذا أسعد الآخرين، وقد لا يرضى عنه إذا لم يعجبهم. والتشجيع جدا مهم في حقه. وإذا أردت أن تبيع سيارتك مثلا لذي المرجعية الخارجية فقل له إنها سوف تعجب أصحابك كثيرا وأنهم سيقولون ونعم الاختيار. وعادة تكون مرجعية الإنسان خارجية في بداية مشواره، ثم تتحول إلى داخلية إذا أتقن ما يقوم به.

 

. بين الإيثار والأنانية: ينظر بعض الناس إلى التفاعل الإنساني من منظور هل له هو فيه مصلحة، وهل سيحقق من وراءه شيئا. بينما ينظر الآخرون من منظور ما يمكن أن يحققوه لأنفسهم وللآخرين.

4.
التوفيق وغير التوفيق بين الأمور: بعض الناس إذا عرض له أمرين فإنه يبحث فيما يتوافق بينهما، وعن الصفات الجامعة بينهما، ولا ينظر إلى ما يمكن أن يكون بينهما من اختلاف. والبعض الآخر لا يرى ذلك التوافق تماما، بل يرى أنهما مختلفان، وتراه يبحث عن الفروق في كل شيء.

5.
الاحتمال مقابل الضرورة: بعضهم يهتم بما هو معروف ومضمون، وبعضهم لا يهتم بذلك، وإنما يهتم بنفس الدرجة بما هو غير معروف، فله رغبة في معرفة ما قد يتمخض عنه من نتائج وفرص. الأول يهتم بالتفاصيل ومتابعتها وهي تتحقق، أما الثاني فهو يبحث عن الفرص والتحديات الجديدة.

ومعرفة البرامج العليا تعلم الإنسان كيف يستطيع التأثير على الآخرين وإقناعهم، وكيف يستطيع أن يسوق أفكاره لهم. ويمكن للإنسان أن يغير من برامجه العليا عن وعي وإدراك، كما يمكن لها أن تتغير عن طريق الأحداث العاطفية المهمة.

التطوير الشخصي:
تتكون حياة الإنسان من خمسة جوانب أساسية، هي الجانب الروحي، والجانب الشخصي، والجانب البدني، والجانب المهني، والجانب الاجتماعي. وعلى الإنسان أن يوازن بين كل منها ليحقق الاستقرار والرقي.

فعلى الإنسان في الجانب الروحي أن يهتم بعبادته لله تعالى، ويعرف أن الله وحده مصرف الأمور وبيده مفاتيحها، فلا يخشى إلا إياه، ويعبده حق العبادة، ويتوكل عليه في كل شؤون حياته.

وعلى الإنسان في الجانب البدني أن يتهم بصحته، ويعطي جسمه حقه، فيعطيه من الطعام ما ينفعه لا ما يضره، وبقدر الذي يناسبه. وعليه أن ينظم مأكله ومشربه. وفترة نومه وعمله ونشاطه. ثم عليه أن يهتم بالرياضة واللياقة البدنية.

وعلى الإنسان في الجانب المهني أن يهتم بعمله، وليعلم أنه أمانة من الله تعالى عليه. وأن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه. فليتقن عمله، وليزيد من الإطلاع فيه، ولا يكون مجرد عامل، بل عليه أن يجدّ ليكون متخصصا فيه.

أما الجانب الشخصي والجانب الاجتماعي، فسوف نأخذهما بشيء من التفصيل.

 

أول ما على إنسان أن يعمله في الجانب الشخصي هو أن يجعل نفسه في حالة من الانسجام. ففي الإنسان الكثير من الشخصيات، فهو الأب، والزوج، والموظف، والعضو في النادي، والممارس للكتابة، كما أن له كثير من النزعات والرغبات، فعليه أن لا يكون مشتتا بين ذلك، وإلا أصبح في حالة من عدم الانسجام مع نفسه، فيصبح موزع الفكر، مشتت الضمير، كلامه غير مطابق لسلوكه.
وحالة عدم الانسجام هذه تقلل من الفاعلية، وتؤدي إلى التوتر وعدم الارتياح.
ويرتبط الانسجام- كما ذكرنا سابقا- ارتباطا وثيقا بنظام الاعتقاد والقيم عند الإنسان، بل إن تسلسل هذه القيم هو الذي يؤدي إلى الصراع والنزاع مع الآخرين.

وحسم هذا النزاع الداخلي يكون بأن يحدد الإنسان هدفه، فإذا حدد له هدف وآمن به كل الإيمان، وبقدر الإيمان يكون السلوك، فإن جميع أجزاء جسمه سوف تتحد، بأمر من العقل الباطن، لإتمام ذلك الهدف.

وعليه أن لا يخلط بين أوراقه، فلا يمارس دور الأب وهو يعمل، كما لا يمارس دور العامل في الوقت الذي يكون فيه أبا!.

وتهتم البرمجة اللغوية العصبية كثيرا بالأهداف وتحديدها، لأن ذلك يجعل الإنسان ذو فاعلية وتأثير، ولذلك قالوا: لا حياة للإنسان بدون أهداف. والأهداف تجعل الإنسان يتحكم في ذاته، فيقدرها ويحترمها، وتجعله يثمن وقته، ويتمتع به كذلك.

ومن أهم الأسباب التي تجعل الناس لا يحددون أهدافهم هو الخوف، سواء الخوف من الفشل أو الخوف من الغيب أو الرفض، ومن المعلوم أن العقل الباطن يحرك الإنسان باتجاه ما يسعده، لا ما يسبب له الألم!.

ومن الأسباب أيضا نظرة الإنسان لذاته (مستوى الاعتقاد بالهوية)، فلن يؤدي الإنسان شيئا لا يتماشى مع رؤيته لذاته, وكذا التسويف والجهل يؤديان إلى عدم تحديد الأهداف.

 

وفي قضية تحديد الأهداف، لابد أن يعرف الإنسان حالته الراهنة، ويحدد الحالة التي يريد أن يبلّغه الهدف إيّاها تحديدا دقيقا، تحديدا يمكنه فيه رؤية نفسه وقد حقق الهدف. ثم يحدد ما ينبغي له أن يقوم به لكي يبلغ ذلك الهدف. ثم يحدد الإطار الزمني اللازم للهدف، فالأهداف بدون زمن هي بمنزلة الأماني. وعليه أن يعرف إمكانياته وكيف له أن ينميها، والعراقيل التي يمكن أن تواجهه، وما هي الحلول لتلك العراقيل. ثم يمضي بالتزام في تحقيق هدفه بعد أن رسم له الخطة الكاملة لتبليغه ما يريد. ويتابع نفسه في ذلك أولا بأول، ويكافئ نفسه على ما حققه فإن ذلك يعطيه الدافع لئن يستمر.

بقي أن نقول أن على الإنسان أن يتعلم المرونة، فهناك فرق كبير بين الالتزام والمرونة. فإذا كان الإنسان ملتزم لبلوغ هدفه، فإن عليه أن يلاحظ ما يدور في الواقع بدقة، ويتعايش معه، ثم عليه أن يكون مرن معه، فالمرونة تعطي المزيد من التحكم، والإنسان المرن يكون عنده كثير من التحكم بنفسه وغيره من الناس.
وعلى الإنسان أن يتعلم الصبر أيضا، فلن ينال أحد شيئا بدون الصبر ، وصدق الله تعالى حيث يقول(ِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)(البقرة 155).

لذلك ليس من العجيب على البرمجة اللغوية العصبية أن تقول أن تحديد الأهداف، ودقة الملاحظة، و المرونة هي الأركان الثلاثة لأي نجاح.

 

العلاقات الاجتماعية:
ونقصد به هنا فن الاتصال مع الآخرين. والمبدأ الأساس في هذا أن الناس يميلون إلى من يبدون على شاكلتهم بطريقة ما، حتى ولو كان ذلك تشابه في اللباس أو الاهتمامات. فلذلك تجد الصيادين مثلا مع الصيادين، ولاعب الكرة تجده مع من يلعب الكرة، وهكذا، لذلك قيل قل لي من تصاحب أقل لك من أنت.

ولا يقتصر هذا التقارب على التشابه في اللباس والاندماج في العمل, بل أهم منه ما يكون في التوافق في الحالة الذهنية، فإذا أردت التقارب مع أحد فكن معه في مستوى واحد من التفكير والمشاعر والأحاسيس، وكذلك وضع الأعضاء وطريقة التنفس، فإن لذلك تأثير بالغ على إحساس الناس ومشاعرهم تجاهك، ويا حبذا لو يكون ذلك بدون وعي منهم. ولا بد من التطابق في إرسال الرسائل، فإذا أرسلت له رسالة مفادها الموافقة فعلى جسمك أن لا يشير بالرفض، وإلاّ سيصدقها أكثر من قولك.
ورغم ذلك فينبغي التحذير أنه لا يمكن معرفة إحساس الآخرين من مجرد التفسيرات لحركات الإنسان وتنفساته، وإلا عاش الإنسان في الأوهام والأحلام.

ومعرفة حالة الإنسان الإدراكية (سمعي، أو صوري أو حسي)، ومعرفة برامجه العليا كذلك، تفيد كثيرا في مسألة التوافق والتشابه هذه، كما لها دور كبير في عملية الإقناع والتأثير.

أما عن البرامج العليا فقد أوضحنا ذلك سابقا، أما عن الحالات الإدراكية فلنضرب مثالا ببائع السيارات:
فإنه يعرض السيارة في أبها صورها، ويحاول إظهار تناسق الألوان حتى في الجو العام للمعرض. وهكذا تجده يأسر قلب الشخص البصري بزهو الألوان الموجودة.

ثم يدخل الزبون في السيارة من الداخل، ويجلسه على المقعد، ويجعله يتحسس المقود والأثاث، وهكذا يتحسس السيارة داخلا وخارجا، حتى المكينة إن أراد يمكن له أن يتحسسها، وهكذا يأسر قلب الإنسان الحسي.

أما الإنسان السمعي، فحقه أيضا غير مهضوم، فيمكن له أن يسمع صوت السيارة وهي تعمل(صوت المحرك)، وصوت المنبه (الهرن)، وحتى صوت جسم السيارة الخارجي.
وهكذا لا يخرج إلا وهو قد أشترى السيارة

 

وعلى الإنسان أن يتجنب الصدام، أو ما يسمى بالمقاومة في البرمجة اللغوية العصبية، مع الآخر، بل عليه أن يحقق الألفة معه، وأن يدير معه الحوار بسلاسة وتوافق.

وعليه أن يتجنب الحكم على الآخرين قدر الإمكان، وأن يتجنب أن يقول أشياء سلبية عنهم، ولا يتحرج من الاعتذار لهم، ولا يكثر من الكلام عن نفسه أمامهم. وعليه ألا يفترض أن الناس عارفون ما يشعر به أو ما سيقوله، وفي المقابل عليه ألا يفترض أنه عارف ما يشعر الناس به أو ما سيقولونه. وعليه أن يتجنب أن ينهي أي علاقة على خلاف، بل عليه أن يحاول حله ولو شكليا.

وعندما يتحدث الإنسان مع الغير فإن الخطاب بينهم يكون عن طريق اللغة الكلامية التي تمثل فقط 7٪ من عملية التخاطب، وبنبرة الصوت التي تمثل 38٪، وبتعبيرات الوجه والجسم التي تمثل 55٪ من التخاطب. ومن هنا يظهر أن على الإنسان أن يقدّر ويحترم من يكلمه، وأن يأتيه بكليته، ولا يدير له ظهره.

وهناك نموذجين للغة، نموذج الما وراء، ونموذج اللغة الرمزية (نموذج ميلتون). يتسم نموذج الما وراء بالتحديد الدقيق للغة بهدف تحقيق الوضوح في التواصل والفهم، فهو الذي ينبغي أن يستخدم عند عرض المشاكل وحلها، فهي طريقة المهندس والدكتور والمكانيكي.

أما نموذج ميلتون فيتسم بالإيحاء، والتوجيهات الضمنية، واللغة غير المباشرة والمجاز. فيشترك فيه الخطاب للعقل الواعي وعقل الباطن، فيدفعه إلى الخيال والابتكار والتجديد. ولنضرب مثالا على كل من النموذجين:

طلب المعلم من تلامذته أن يكتبوا تعبيرا في أحد الموضوعين التالين:
1.
موضوع عن الإجازة الأخيرة: أذكر أين قضيت إجازتك الأخيرة، أين ذهبت وماذا فعلت، الأشياء التي استمتعت بها والأشخاص الذين قابلتهم.
2.
أريد منكم كتابة شيء عن أي إجازة قضيتها، هناك الكثير من الأشياء المثيرة الشيقة التي يمكن ذكرها عن الإجازات، الأماكن، الناس، الأنشطة....إلخ، يمكنك أن تفكر فيما تود أن تضمنه في الموضوع، مثل شعورك تجاه الإجازات، الأشياء التي تعلمتها، وهكذا.....

فالموضوع الأول من نموذج الما وراء، حيث التحديد والحصر، والثاني من نموذج ميلتون، حيث فتح الآفاق للخيال والابتكار.

 

هذه كانت مقدمة تسهل الطريق إلى البرمجة اللغوية العصبية، حاولت فيها التطرق إلى أهم مواضيع البرمجة اللغوية العصبية، وأهم ما حاولت إلقاء الضوء عليه، هو:

1.
العقل الواعي والعقل الباطن وكيفية عمل كل منهما
2.
الإدراك: صفته وأنماطه، واستخدام الحواس، والفسلوجيات.
3.
أنماط الناس الغالبة التي تحكم تفاعلهم واستجاباتهم الداخلية والخارجية.
4.
تنمية المهارات وشحذ الطاقات
5.
مشاعر الإنسان وكيف يمكن له أن يتحكم بها
6.
إيمان الإنسان وعقيدته وقيّمه ومدى تأثير ذلك على السلوك
7.
اكتشاف البرامج الذاتية وكيفية التعامل مع أصحابها.
8.
تحقيق التوازن النفسي.
9.
تحديد الهدف وكيفية الوصول إليه
10.
المرونة العالية في التفكير والسلوك، مما يعطي تحكم أكبر في كل الأوضاع
11.
بناء العلاقات وتحقيق الألفة مع الآخرين


وهذه قائمة بأهم مصادر هذا الموضوع:
1.
آفاق بلا حدود للدكتور محمد التكريتي
2.
البرمجة اللغوية العصبية لكارول هاريس
3.
قدرات غير محدودة لإنتوني روبينز
4.
أمسية: قوانين العشرة للعقل الباطن للدكتور إبراهيم فقي
5.
ألبوم: نجاح بلا حدود للدكتور إبراهيم فقي
6.
ألبوم: البرمجة اللغوية العصبية وتطبيقاتها في حياتنا اليومية، ل (إبراهيم فقي، نجيب الرفاعي، محمد التكريتي، صلاح الراشد).

وبعض الكتب والمقالات الأخرى.

والله ولي التوفيق.

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق