إن العاطفة فطرة قد جبلها الله في الإنسان لتحافظ عليه وتدفعه إلى العمل والرقي، وهي بحنب ذلك فتنة، شأنها كالعقل، فإما أن يستخدمها في الخير، أو تغلبه فتهوي به إلى الشهوات أو حتى الوساوس.
والعاطفة تمثل جوهر الإنسان، فبدونها ما هو إلا آلة عديمة الإحساس والشعور، فالعاطفه هي التي تعطي الحياة والقوة، وهي التي تعطي الحزن والألم، فلذلك ليس للحياة دونها طعم أو معنى.
والعاطفة هي الطاقة الكامنة في الإنسان، وهي التي تكون خلف كل عمل يقوم به ابتداء من أهدافه الكبرى في الحياة، وحتى فترات استراحته واستجمامه، أو حتى في فراغه!.
وتختلف هذه العاطفة قوة وضعفا، فقد تكون ضعيفة رخوة لا تحرك شعورا ولا تثمر عملا، وقد تكون متذبذبة لا تتحرك إلا إذا أثيرت بالصدمات أو الشهوات، وهذه بطبيعة الحال، وكما يقول شيخنا الخليلى لا تكاد تثور حتى تغور، ولا تكاد تتأجج نارها حتى تنطفيء. وقد تكون هذه العاطفة عقيدة راسخة متمكنة في القلب والنفس فتستولي عليهما، فتثمر عملا طيبا أو شريرا.
وهكذا تصنع هذه المشاعر الإنسان وتصيغ كيانه، فالشخص المتفائل على سبيل المثال غير الشخص المتشائم، والإنسان ذو الهمة العالية يختلف عن الكسول الجامد، وهكذا تصوغ العاطفة حياة الفرد والمجتمع.
إن العواطف في الحقيقة هي ما يشعر الإنسان بالسعادة أو الشقاوة في هذه الحياة الدنيا!، فالإنسان المتزن عاطفيا هو الإنسان الناجح المثمر، أما الإنسان ذو الفراغ العاطفي أو الإنسان المكتئب أو القلق أو الإنهزامي فهذا لن يكون ناجحا بطبيعة الحال، بل هو إنسان مريض بحاجة إلى علاج نفسي.
والعواطف لدى الإنسان كثيرة، فهي بعدد دوافعه وغرائزه ورغباته، سواء في ذلك الفردية منها أو الجماعية، وسواء في ذلك ما يدعوه إلى البهيمة أو الملائكية، ولأجل هذا كان جهاد النفس في الإسلام هو الجهاد الأكبر.
والكبت لهذه العواطف عند علماء النفس تعتبر جريمة لأنها تنتج شخصا غير متزن ولا سوي، كما أن الإنجراف وراء ثورات العواطف يلغي العقل ويحجب الرؤية عنه، فلا بد من الإتزان، وذلك بالتحكم في هذه العواطف ومعرفة الرسائل التي تحملها، ولا يمكن هذا إلا بفهم هذه المشاعر لإنها هي المفتاح لشخصياتنا، وهي الوسيلة في التواصل مع أنفسنا والأخريين.
والإنسان غالبا لا يعرف التصرف مع هذه المشاعر فتجده يكتمها، ثم يفرغها في المكان الخطأ أو عند الشخص الخطأ، فقد يجد المرء أنه من الأسهل عنده أن يفرغ الطاقات السالبة التي أخذها من العمل في زوجته وأولاده في المنزل، وأن توبيخه للسائق الآخر أسهل عنده من الإعتذار والإعتراف بأنه هو كان المسرع والمتهور في السياقة.
وهكذا يكون التحكم في العواطف هو الأمر الأمثل، فلا كبت ولا انجراف، وبالتحكم تكون هذه العواطف وسائل بناء ورقي، لا معاول هدم وإغلاق للعقول. إن العواطف الراسخة الحية في القلب هي في الحقيقة البذرة الأولى للحياة، وبدونها لا حياة.
وما أن تثبت تلك العاطفة في القلب حتى يتبعه الجسد بالعمل والجد، فليس هناك عمل ذو شأن ليس وراءه دافع قوي للقيام به.
ومن هنا نفهم ذلك الإهتمام الكبير بالعواطف في الإسلام، فلنا على سبيل المثال أن نتخيل عاطفة ذلك الشاب الذي ذهب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بائعا نفسه في سبيل الله للجهاد، وما أن ذكرت له الجنة وكانت في يده تمرات، حتى رماها وطارت روحه الطاهرة شوقا للجنة. فلنا أن نتخيل عاطفة هذا الشاب تجاه الجنة، وماذا كان يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صارت حاله هذه.
وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه في بعض خطبه (عرضت علي الجنة والنار، فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا). قال أنس ابن مالك رضي الله عنه (فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشد منه، قال (غطوا رءوسهم ولهم خنين)).
وورد عنه أيضا صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا، ولضحكتم قليلا، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى، لا تدرون تنجون أو لا تنجون.
لقد كان اهتمام الإسلام ونبي الإسلام بالعواطف أظهر من أن يدلل عليه، أو ليس هو صلى الله عليه وسلم الذي كان يتفقد أصحابه، ويلقبهم بأفضل الألقاب، فهذا أمين الأمة وهذا سيف الله المسلول، وهذا وهذا. أو لم يكن صلى الله عليه وسلم لا يفرق بين أصحابه وكان كلهم يظن أنه هو الأحظى عنده مكانة ومنزلة.
فكان لا عجب إذن أن تكون تلك حالة أصحابه صلى الله عليه وسلم، وأن تكون حالة التابعين من بعدهم كحالة ربعي بن عامر رضي الله عنه، فقد كان اعتزازه بهويته الإسلامية وفخره بالإسلام أمام ملك الفرس مثلا يضرب لسائر الأمة من بعده.
أما اليوم فإن االأمة قد ضربت في أعز ما تملك، وذلك في رموزها وفي هويتها الإسلامية، وكان أكبر معاول الهدم عندهم في هذا هو الإعلام، الذي هو قائم على العواطف، ومتكئ على الغرائز وأفلام الرعب والخيال.
فكان على المسلمين لزاما أن يحيوا الفخر والعزة بهويتهم الإسلامية في قلوب المجتمع فإن ذلك هو الحصن المنيع أمام هذه التيارات المرجفة والغزو الفكري والعاطفي الذي يأتينا من قبل أعداء الإسلام والمسلمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق